اغتنام الأوقات في شهر الطاعات
اعلم أخي المسلم أنك مشهود عليك في جميع أحوالك م فعلك وقولك ، فالله تعالى مطلع عليك ولا تخفى عليه خافية
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ يونس: 61
وقد أعطاك الله أخي المسلم أمانة عظيمة ؛ أنت مسئول عنها وهي عمرك الذي تسأل عنه يوم القيامة فاغتنم فراغك قبل شغلك ومن معاني الاستقامة اغتنام الوقت في العمل الصالح وذلك لأن المرء سيحاسب على هذه الساعات قال لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به" .
والوقت أمر مهم في حياتنا والأيام والليالي شاهدة علينا يوم القيامة فكل يوم شاهد وكذا كل ليلة ودليله ما رواه أبو نعيم عن معقل بن يسار عن النبي :
"ليس من يوم يأتي على العبد إلا وينادى فيه يا ابن آدم أنا خلق جديد وأنا فيما تعمل عليك شهيد فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا ويقول الليل مثل ذلك" .
ولقد أقسم الله تعالى ببعض الأوقات تعظيما لها وإعلاء لشأنها فاقسم بالفجر وبالليل وبالشمس كما أقسم سبحانه بالعصر أي الدهر كما قال ابن عباس رضي الله عنه ذلك لما فيه من التنبيه على تصرف الأحوال وتبدلها وما فيها من الدلالة على الصانع سبحانه.
إن الوقت في حياتنا إنما هو الحياة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان والوقت حلقة من سلسلة الحياة المحدودة الحلقات إذا مضى نقص عمر الإنسان وخطوة في طريق الحياة إلى النهاية لا ندري كم كتب بعدها لكل منا من خطوات لقد تلاشت في محيط الحياة وذابت في طيات أمواجها كما يذوب الجليد الذي سهرته الحرارة وذهبت هذه الأوقات التي مضت بعيدا عن هذا المفهوم ولنتعود !! وهكذا تتلاحق الأعوام عاما بعد عام .
وهنا نسأل أنفسنا : ما الذي استفدناه لأنفسنا ولأمتنا خلال عام مضى بدقائقه وساعاته وأيامه ولياليه ؟
هل اهتدينا في رمضان الماضي إلى أسلوب صحيح حتى جاء رمضان هذا العام فإذا نحن أزكى نفوسا وأصفى أرواحا وأطهر أخلاقا ؟ ولقد أتى رمضان يذكرنا بقيمة الوقت في حياة المسلم فلا فراغ في حياة المؤمن ولا فراغ والإسلام قائم بالنفوس ولا فراغ والإيمان يعمر القلوب ولا فراغ في حياة أمة لها غاية ولا فراغ في يوم الصائم وليلته فهو في خلوة طيبة مباركة يتجرد فيها الإنسان عن مطالب المادة .
رمضان هو هذا الوقت المبارك الذي يدرك النفس وقد عرفت في المادة فيرتفع بها إلى عالمه ويجردها من كل ما يحيط بها من أدران ويطوف بها في عالم النور ويفيض من القلب الخشوع والخضوع .
من عرف حق الوقت فقد أدرك قيمة الحياة وما أحوجا في رمضان إلى محاسبة أنفسنا على ما فات من عمرنا دون طاعة مما يستوجب الندم على الأخطاء ونستقيل العثرات ونقوم المعوج .
ينبغي للعبد أن يتدارك أوقات رمضان بالأعمال الصالحة ويبارك بالأعمال قبل انقضاء الأجل وقبل الرحيل إلى القبور والانتقال قبل غلق الباب وطي الكتاب وانقطاع الأسباب قبل هجوم الموت وحلول الفوت والانتقال من الديار العامرات إلى حفر ضيقة ظلمات ثم يتذكر الوقوف بين يدي الحكم الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السموات
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 30] .
فموقفك أخي المسلم يوم الحساب مرتبط بالزمن وذلك اليوم يفوز أقوام استغلوا أوقاتهم في طاعة الله ويخسر أخرون فرطوا وتكاسلوا وضيعوا أعمارهم سدى .
أخي المسلم : لقد أظلك شهر عظيم مبارك فاجتهد فيه بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل من صلوات وصدقات وبذلك معروف وإحسان وصبر على طاعة الله وعمارة نهاره بالصيام وليله بالقيام وساعاته بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل ومجالسة الأخيار والصالحين والإقبال على العلم النافع فالمحروم من حرم الخير في هذا الشهر والشقي من نسي الله فنسيه والمفلس من يدخل عليه رمضان ويخرج وهو لم يغير من حاله ويستعد لمآله .
اللهم وفقنا لاغتنام أوقاته وساعاته واجعلنا من الفائزين يوم تشهد الدواوين ويقوم الناس لرب العالمين .. اللهم احشرنا في زمرة السعداء والمتقين وألحقنا بالصالحين وتوفنا مسلمين .
المراجع :- كتاب معالم شهر الصيام للدكتور/ أحمد عبد الرحيم السايح وللدكتور/ أحمد عبده عوض